الجمعة، 8 مارس 2013

آوى للرحمن كلام.... وجدنا ما وعدنا حقاً

قال الأصمعي: (أقبلت ذات يوم من مسجد الجامع بالبصرة فبينا أنا في بعض سككها إذ أقبل أعرابي جلف جاف على قعود له، متقلدا سيفه، وبيده قوس، فدنا وسلم، وقال: ممن الرجل ؟ فقلت من بني الأصمع، فقال لي: أنت الأصمعي ؟ قلت نعم، قال من أين أقبلت ؟ قلت : من موضع يتلى فيه كلام الرحمن ، قال: أو للرحمن كلام يتلوه الآدميون؟ فقلت : نعم يا أعرابي ، فقال: اتل علي شيئا منه ، فقلت: انزل من قعودك ، فنزل وابتدأت بسورة الذاريات حتى انتهيت إلى قوله تعالى : (وفي السماء رزقكم وما توعدون) قال الأعرابي: هذا كلام الرحمن ؟ قلت : إي والذي بعث محمدا بالحق إنه لكلامه أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فقال لي: حسبك، فقام إلى ناقته فنحرها بسيفه، وقطعها بجلدها وقال: أعني على تفرقتها ، فوزعناها على من أقبل وأدبر، ثم كسر سيفه، وقوسه، وجعلها تحت الرملة، وولى مدبرا نحو البادية وهو يقول (وفي السماء رزقكم وما توعدون) يرددها ، فلما تغيب عني في حيطان البصرة ؛ أقبلت على نفسي ألومها، وقلت : يا أصمعي، قرأت القرآن منذ ثلاثين سنة ومررت بهذه وأمثالها وأشباهها فلم تتنبه لما تنبه له هذا الأعرابي، ولم يعلم أن للرحمن كلاما، فلما قضى الله أمري ما أحب ، حججت مع هارون الرشيد أمير المؤمنين فبينا أنا أطوف بالكعبة إذا أخبرنا بهاتف يهتف بصوت رقيق: تعال يا أصمعي، تعال يا أصمعي، قال فالتفت ؛ فإذا أنا بالأعرابي منهوكا مصفارا، فجاء وسلم علي، وأخذ بيدي وأجلسني خلف المقام، فقال : اتل من كلام الرحمن الذي تتلوه فابتدأت ثانية بسورة الذاريات، فلما انتهيت إلى قوله (وفي السماء رزقكم وما توعدون) صاح الأعرابي وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، ثم قال: يا أصمعي ، هل غير هذا للرحمن كلام؟ قلت نعم يا أعرابي، يقول الله عز وجل (فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) فصاح الأعرابي عندها وقال: ياسبحان الله ، من ذا أغضب الجليل حتى يحلف ؟ أفلم يصدقوه حتى ألجؤوه إالى اليمين قالها ثلاثا وخرجت نفسه) شعب الإيمان 378/3. تفسير القرطبي 42/17 . أضواء البيان 6/8



ليست هناك تعليقات: